03/03/2018 - 14:16

لقاء خاص | التهميش المزدوج ومعيقات المشاركة السياسية للمرأة العربية

تعتبر المشاركة السياسية للمرأة مقياسا لمدى توطد مكانتها الاجتماعية والاقتصادية، ومؤشرا لمستوى التطور الذي قطعته باتجاه الوصول إلى التكافؤ المنشود بين كافة أفراد المجتمع.

لقاء خاص | التهميش المزدوج ومعيقات المشاركة السياسية للمرأة العربية

نساء يقدن مسيرات يوم الأرض الخالد في عرابة (من الأرشيف)

*بسبب "القوانين العنصرية" إنجازات المرأة العربية في إسرائيل أقل من نظيراتها
*الثقافة العسكرية والأمنية التي تسيطر على إسرائيل تهمش دور المرأة السياسي
*المرأة الفلسطينية تعاني من تهميش مزدوج من الدولة اليهودية والمجتمع الأبوي


تعتبر المشاركة السياسية للمرأة مقياسا لمدى توطد مكانتها الاجتماعية والاقتصادية، ومؤشرا لمستوى التطور الذي قطعته باتجاه الوصول إلى التكافؤ المنشود بين كافة أفراد المجتمع.

وبالرغم من أن نيوزيلندا كانت أول دولة في العالم تمنح حق التصويت للمرأة عام 1893، فإن الثورة البلشفية في روسيا 1917، هي التي شكلت دفعا كبيرا في ترسيخ مساواة المرأة، بعد أن قامت بتعيين امرأة في منصب وزير، لتكون أول امرأة في العالم تشغل هذا المنصب.

وفي عام 1920 قامت الولايات المتحدة بتعديل الدستور لتسمح للمرأة بالتصويت، وهو ذات العام الذي سمح فيه بتصويت المرأة في عشرة دول أخرى. أما سائر الدول الأوربية بما فيها فرنسا واليونان وإيطاليا وسويسرا، فإنها قامت بمنح حق التصويت بعد الحرب العالمية الثانية.

وكانت دولة الإكوادور أول بلد في أميركا اللاتينية اعترفت بحقوق المرأة السياسية، وذلك في العام 1929. وفي المكسيك حصلت المرأة على حق التصويت في العام 1953. وفي آسيا، كانت منغوليا أول بلد حصلت فيه المرأة على حق التصويت وذلك في عام 1923، بينما حصلت على هذا الحق في اليابان وكوريا الجنوبية عام 1945 وفي بعض دول الخليج حصلت المرأة على حق التصويت في بداية القرن 21 حيث منحت هذا الحق في الكويت عام 2005.

ولكن برغم مرور قرن من الزمن على مسيرة المشاركة السياسية للمرأة، فإن المعطيات ما زالت تشير إلى نسبة محدودة من التمثيل السياسي للنساء في مراكز صنع القرار، حيث تُظهر الإحصائيات الأخيرة أن نسبة التمثيل البرلماني للمرأة على مستوى العالم تتراوح بين 15 - 16%، وترتفع هذه النسبة إلى 32.4% في ألمانيا، وتصل إلى 39.7% في الدول الإسكندنافية، بينما تنخفض إلى 17% في الولايات المتحدة الأميركية وإلى 15.4% في آسيا، وتهبط إلى 5.6% في الدول العربية والإسلامية.

ومحليا، في حين توازي نسبة التمثيل البرلماني للمرأة في المجتمع الإسرائيلي نظيرتها في أمريكا وأوروبا (27% في العام 2015)، فإن نسبة تمثيل المرأة العربية الفلسطينية في أراضي ال48، تقترب أيضا من نطيرتها في الدول العربية والإسلامية. وبالرغم من أن القانون الإسرائيلي ضمن حق التصويت للنساء العربيات أسوة بالبقية، منذ نكبة 48 وقيام إسرائيل، فإن هذا الحق لم يترجم إلى تمثيل فعلي في البرلمان (الكنيست).

وخلال خمسين عاما لم تصل أية امرأة عربية إلى الكنيست، أي حتى دخول حسنية جبارة إلى الكنيست عام 1999 ممثلة عن حزب ميرتس الصهيوني، ليتبعها لاحقا انتخاب نادية حلو، في قائمة حزب العمل الصهيوني عام 2003 ، قبل أن تدخل حنين زعبي عام 2009 بعد أن قام التجمع الوطني الديمقراطي بتحصين مكان مضمون للمرأة في قائمته الانتخابية، ومؤخرا، (في انتخابات 2015 ) دخلت عايدة توما سليمان ممثلة عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في القائمة المشتركة.

وعلى مستوى التمثيل المحلي (المجالس والبلديات) تكشف الباحثة سهير أبو عقصة، أنه منذ النكبة وإقامة دولة إسرائيل وحتى عام 2003، تم انتخاب 15 امرأة فقط، كعضوات في المجالس البلدية والمحلية ورئيسة مجلس واحدة لفترة سنتين.

حول موضوع التمثيل السياسي للمرأة العربية في الداخل الفلسطيني، وتأثيراته على مسيرة النساء والمجتمع ككل، كان لـ"عرب 48"، هذا الحوار مع الباحثة في علم الاجتماع والقيادة التربوية في جامعة بار ايلان والمحاضرة في كلية القاسمي، د. رماء دعاس.

"عرب 48": في بحث أجريته أنت ود. نهاد علي، ورد أن المرأة العربية في إسرائيل حصلت على حقوق مثل حق التصويت وحق الترشيح، دون الدخول في نضال، ولكن الحقيقة أن النساء العربيات في إسرائيل اللاتي تجاوزن أخواتهن في البلدان العربية، قد حصلن على إنجازات سياسية أقل بصورة واضحة من النساء في الدول العربية؟

د. رماء دعاس

دعاس: لا ننسى أن المجتمع العربي الفلسطيني قد تعرض بفعل النكبة والحكم العسكري إلى حالة صدمة، تمثلت بأحد وجوهها بالانتقال القسري من مجتمع تقليدي زراعي ومغلق إلى مجتمع عمالي، وذلك بسبب مصادرة آلاف الدونمات التي قامت عليها إسرائيل بعد نكبة عام 1948.

لقد انتقل سوق العمل العربي من العمل في القطاع الزراعي المستقل في أراضيهم إلى عمل مأجور خارج القرية، يعتمد بالأساس على المجتمع اليهودي، وأثرت هذه التغيرات في المرأة ومكانتها في المجتمع، حيث أدت إلى انكفاء النشاط السياسي للمرأة الفلسطينية في إسرائيل، خاصة في العقدين الأولين بعد النكبة، والتي خضع فيها المجتمع الفلسطسني في الداخل لنظام الحكم العسكري. ولذلك بقيت الحقوق التي "أُعطيت"، كما يبدو لأول وهلة، للمرأة والمجتمع الفلسطيني حبرا على ورق.

"عرب 48": إسرائيل، أيضا، لا تعتبر من الدول الأكثر تقدما في مجال المشاركة السياسية للمرأة، رغم اعتمادها النمط الغربي في الحكم، ورغم قدوم غالبية مادتها البشرية من الغرب، لماذا؟

دعاس: نعم، بحسب دراسة أجريت لمصلحة الأمم المتحدة، تم تصنيف إسرائيل في مرتبة متدنية، حسب مقياس تمثيل المرأة السياسي (في الربع الرابع للدول)، بالتناقض مع التصنيف العالي لها للدخل القومي للإنتاج، وفي نسبة مشاركة المرأة في التعليم الثانوي، حيث تقع في الربع الأول.

والمفارقة أنه بالرغم من اعتبارها دولة متقدمة في مجال القوانين التي تساوي المرأة وانعكاس ذلك في الزيادة الكبيرة في نسبة النساء اللاتي يدخلن سوق العمل، حيث شكلت نسبة النساء مع نهاية القرن العشرين أكثر 45% مقارنة مع 30% عام 1960 من مجمل سوق العمل المدني، وكذلك بالزيادة الكبيرة في المستوى التعليمي للنساء، حيث تشكل النساء 50% من حملة شهادة البكالوريوس، وأكثر من 45% من حملة الماجستير، وثلث حملة شهادات الدكتوراه. بالرغم من ذلك، ظلت نسبة المشاركة السياسية منخفضة حسب التصنيف العالمي.

"عرب 48": ولكننا نعرف أن إسرائيل سجلت سابقة بانتخاب غولدا مئير، رئيس حكومة؟

دعاس: بالرغم من أن انتخاب غولدا مئير رئيسة لحكومة إسرائيل عام 1969، اعتبر "أسطورة إسرائيلية" كونها أول أمرأة في العالم تنتخب لهذا المنصب، إلا أن نسبة المشاركة السياسية للمرأة، إذا ما اعتمدنا التمثيل البرلماني كمقياس، ظلت متواضعة جدا، حيث تراوح عدد النساء في الكنيست من عام 1948 وحتى وحتى الدورة الرابعة عشرة للكنيست عام 1996 من 8 - 11 في كل دورة مشكلا نسبة تتراوح بين 6.6% و9.1% من أعضاء الكنيست.

هذه النسبة ارتفعت في الكنيست الـ14 عام 2003، عندما تم انتخاب 15 امرأة كعضو كنيست، متجاوزا لأول مرة نسبة الـ %10 إلى %13.4، أي أنه في السنة التي انتخبت فيها غولدا مئير رئيسة للحكومة، كانت نسبة مشاركة النساء في الكنيست من 6.6 - 9.1% فقط، وبقيت هذه النسبة تراوح مكانها سنوات طويلة بعد انتخاب غولدا مئير لرئاسة الحكومة، بمعنى أن انتخابها لم يحدث أي طفرة في مجال المشاركة السياسية للنساء.

"عرب 48": لماذا؟

دعاس: هناك عدة أسباب، أهمها النظام الأمني العسكري المشتق من حالة الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يخلق ثقافة سياسية تعتمد على القوة والعسكر وتفضيل الجنرالات على المدنيين وخاصة النساء منهم، والسبب الثاني هو سبب ديني ويعود إلى وجود قطاع واسع من السكان اليهود متدينين وإلى تأثير التقاليد الدينية على الحياة السياسية.

ويرى الكثير من الباحثين، أنه بالرغم من أن نظام التعليم في إسرائيل يقدم للمرأة أدوات يمكن ترجمتها إلى تمثيل أعلى في السياسة وفي الحكومة، يعمل النظام الأمني - العسكري في الاتجاه العكسي. تفسيرات أخرى لمستوى تمثيل المرأة تشير إلى السيطرة الذكرية على مناصب القوة، والديانة اليهودية كعامل يكرس دونية المرأة في المجتمع، وخصائص الخدمة العسكرية (ِّ90% من المناصب الرفيعة غير متاحة فيه للنساء)، والوضع الأمني والصراع العربي الإسرائيلي الذي يهمش الأجندة النسوية.

"عرب 48": لنعد إلى المرأة العربية الفلسطينية في إسرائيل، من الواضح أنه ناهيك عن وضعها الخاص فإن وضع المرأة العام لا يساعدها كثيرا؟

دعاس: نعم، ولكن السبب الرئيسي لضعف مشاركة المرأة الفلسطينية هو حالة التهميش التي يعاني منها العرب في الدولة، فنحن موجودون في دولة تخدم الأغلبية اليهودية في مختلف مجالات الحياة، إضافة إلى أن المرأة مهمشة في مجتمعها ولذلك فهي تقع تحت تهميش مزدوج.

كما أن الوضع الذي مررنا به، النكبة والحكم العسكري، كان انعكاسه أكبر على الفئات الأضعف في المجتمع الفلسطيني وخاصة المرأة، هذا بالإضافة إلى أن الصراع على البقاء والوجود همش قضايا المرأة، والضربة التي تلقاها هذا المجتمع أصابت أول ما أصابت النساء، ونتحدث هنا عن مصادرة الأرض التي شكلت مصدر رزق وعمل أساسي للعائلة الفلسطينية بنسائها ورجالها.

"عرب 48": ولكن المفارقة هي أن المرأة الفلسطينية في الداخل ورغم وقوعها في "دولة غربية" تراعي حقوق المرأة وبين حزب شيوعي، بقي هو القوة الوحيدة على الساحة، ويحمل مبادئ وقيم مساواة المرأة، فإنها لم تنجح في تحقيق المشاركة السياسية في البرلمان على مدى خمسين عاما؟

دعاس: النموذجان يثبتان أن النوايا أو الإطار النظري ليس شرطا كافيا لتحقيق المشاركة والمساواة، فالحزب الشيوعي الذي انفرد بالساحة السياسية فترة طويلة من الزمن، لم ينجح خلالها وبعدها، من أن يكون طليعيا في مجال تمكين المرأة من التمثيل البرلماني، حيث دخلت المرأة العربية الأولى للكنيست، حسنية جبارة عام 1999 عن طريق حزب ميرتس الصهيوني، مثلما دخلت المرأة العربية الأولى من حزب غير صهيوني، حنين زعبي عام 2009 بواسطة التجمع الوطني الديمقراطي.

قد نجد الكثير من الأسباب الموضوعية لذلك والتي أتينا على بعضها، مثل: سيطرة القضية السياسية وحالة التهميش وضآلة التمثيل البرلماني، ولكن ذلك لن يلغي الفشل الذاتي أيضا، خاصة وأنه تمكن لاحقا من إدخال النائبة عايدة توما عبر القائمة المشتركة في انتخابات 2015.

"عرب 48": وماذا عن التمثيل في السلطات المحلية والغياب شبه الكامل للتمثيل النسائي هناك؟

دعاس: في الانتخابات المحلية تتراكم جميع الأسباب والمعوقات التي أتينا على ذكرها بالنسبة للتمثيل البرلماني، إضافة إلى الحمائلية والعائلية، والتي هي بجوهرها إحدى تجليات النظام الأبوي الذكوري.

التعليقات